كارتر وفلسطين- شجاعة في قول الحقيقة و دعم حقوق الإنسان.

يمثل جيمي كارتر، الرئيس التاسع والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية، رمزًا للشجاعة الأخلاقية والنزاهة، وقد بلغ هذا الشهر عامه المئة. لقد ترك بصمة لا تُمحى في تاريخ الخدمة العامة، حيث كرس حياته بلا كلل من أجل تعزيز السلام والعدالة الإنسانية داخل الولايات المتحدة وحول العالم.
بينما نقف على أعتاب نهاية رحلة حياته المديدة، يجب علينا أن نتوقف لحظة للتأمل في أحد أكثر مواقفه جرأة وإلهامًا: تفانيه الراسخ في الدفاع عن كرامة الشعب الفلسطيني وحقه الأصيل في تقرير مصيره بنفسه.
اقرأ أيضا
list of 1 item5 أعراض واضحة تنبئ بنهاية إسرائيل
في عام 1996، تجسدت رؤية الرئيس كارتر في دعمه القوي للشعب الفلسطيني، عندما أتيحت لنا الفرصة التاريخية للإدلاء بأصواتنا لأول مرة لانتخاب قادتنا. وعلى الرغم من أن عملية السلام في أوسلو لم تحقق بشكل كامل حلمنا في إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، إلا أن كارتر كان يؤمن إيمانًا راسخًا بأن ممارسة حقنا في التصويت كانت خطوة بالغة الأهمية نحو بناء مستقبل ينعم بالسلام والعدل للجميع.
لقد كان حضوره الشخصي في فلسطين خلال تلك الانتخابات التأسيسية بمثابة منارة أمل، حيث عزز تطلعاتنا نحو غدٍ أكثر إشراقًا، على الرغم من الظلال القاتمة للاحتلال القائم والتهجير المستمر.
وفي عام 2003، بينما كانت جدران الفصل العنصري الشائنة تلتف تدريجيًا حول الضفة الغربية المحتلة، تشرفت بلقاء الرئيس كارتر مرة أخرى في منتدى المدافعين عن حقوق الإنسان الأول، الذي استضافه مركز كارتر المرموق في أتلانتا، جورجيا.
هناك، شاركت معه الحقائق المرة التي يعيشها الفلسطينيون في مدينة قلقيلية بالضفة الغربية: ما يقرب من 40,000 نسمة محاصرون بالكامل بالأسمنت والقيود، مع وجود بوابة واحدة فقط تتيح لهم الوصول المحدود إلى مزارعهم، والرعاية الطبية الأساسية، والعالم الخارجي الأوسع. هذه البوابة، التي يتحكم فيها الجنود الإسرائيليون ويفتحونها ويغلقونها حسب أهوائهم، غالبًا ما تظل مغلقة لأيام متتالية، مما يعيق حياة الناس.
عندما وصفت له الوضع المأساوي في فلسطين، أوضحت أنه ببساطة نظام فصل عنصري، حيث يتم الفصل بين شعبين على أساس العرق، ويتحكم أحدهما في الآخر من خلال نظام قمعي ومنهجي. استمع كارتر بانتباه شديد، دون إصدار أي أحكام مسبقة، مما يدل على نزاهته الفكرية.
وبعد ذلك بعامين فقط، في عام 2005، أتيحت له الفرصة لرؤية حقيقة الوضع على أرض الواقع، عندما عاد إلى فلسطين لمراقبة الانتخابات الرئاسية، حيث كنت أنا المرشح المستقل الأبرز الذي يتحدى مرشح فتح، محمود عباس.
خلال تلك الفترة الحرجة، شهد الرئيس كارتر بشكل مباشر كيف كانت إسرائيل، بدلاً من بناء الجسور التي تؤدي إلى السلام، تقوم ببناء جدران عالية: جدران تقطع بعمق الأراضي الفلسطينية، وجدران تضم المستوطنات غير القانونية ومصادر المياه الحيوية، وجدران تعزل الفلسطينيين في جيوب صغيرة بائسة.
كما شهد بشكل مباشر كيف قامت قوات الأمن الإسرائيلية باعتقالي بشكل تعسفي بعد اجتماع لنا في القدس، دون أي سبب وجيه بخلاف منعي من التواصل مع الناخبين الفلسطينيين في المنطقة. خلال هذه الزيارة، أعتقد أن كارتر أدرك تمامًا أن إسرائيل لم تكن تستعد للسلام الحقيقي، بل كانت تعمل بنشاط على تعزيز سيطرتها بطرق تجعل حل الدولتين العادل أمرًا مستحيلًا.
في عام 2006، نشر كارتر كتابًا تاريخيًا بعنوان "فلسطين: سلام لا فصل عنصري"، وهو عمل فكري هز الأوساط السياسية الأمريكية. في هذا الكتاب، أوضح حقيقة بسيطة لكنها عميقة: بدون ضمان حرية وكرامة الفلسطينيين، لا يمكن أن يتحقق السلام الدائم أبدًا. لقد قدم قضيته ليس كعدو لإسرائيل، بل كصديق حقيقي مهتم بشدة ببقائها وازدهارها على المدى الطويل. ومع ذلك، لأنه تجرأ على قول هذه الحقيقة الصعبة، تعرض لحملة تشويه شرسة.
لقد وُصف ظلماً بمعاداة السامية، وتم نبذه من قبل العديد من الشخصيات البارزة في الولايات المتحدة، وحتى داخل حزبه الديمقراطي نفسه. لكن كارتر لم يتراجع أبدًا عن مبادئه. فقد استمر في التحدث بصراحة عن الواقع المرير في فلسطين، ليس بدافع الكراهية تجاه إسرائيل، بل من إيمان راسخ بالعدالة والمساواة للجميع.
لقد فهم كارتر بعمق أن الطريقة الوحيدة التي يمكن لإسرائيل أن تزدهر بها حقًا هي من خلال تحقيق سلام عادل ودائم مع الفلسطينيين. وأدرك أن الشعب الفلسطيني، الذي يعيش تحت احتلال وحشي منذ عام 1967 ويعاني من نزوح متكرر منذ عام 1948، له الحق الكامل في التمتع بنفس الحقوق الأساسية والكرامة الإنسانية التي يتمتع بها أي شخص آخر في العالم. كما أشار في كتاباته اللاحقة إلى أن وصفه للنظام الإسرائيلي بأنه فصل عنصري جاء بعد أن شرحت له شخصيًا الوضع المأساوي في قلقيلية في عام 2003.
إن ما يجعل موقف جيمي كارتر من القضية الفلسطينية فريدًا حقًا ليس فقط شجاعته الأخلاقية الاستثنائية، بل أيضًا حقيقة أنه كان ذات يوم أقوى رجل في العالم. كرئيس للولايات المتحدة، سعى جاهدًا لتمهيد الطريق نحو تحقيق سلام دائم وعادل في المنطقة. وعلى الرغم من أنه لم يتمكن من تأمين تقرير المصير الفلسطيني الكامل خلال فترة ولايته الرئاسية بين عامي 1977 و1981، إلا أنه لم يتوقف أبدًا عن المحاولة. في العقود التي تلت مغادرته منصبه، لم يدخر جهدًا في سعيه الدؤوب لتحقيق سلام عادل للفلسطينيين وجميع شعوب الشرق الأوسط الذين يستحقون ذلك.
الآن، بينما ندخل عامه المئة الميمون، ونحتفل بإنجازاته الإنسانية العديدة، يجب ألا ننسى أبدًا أنه كان أحد أهم الأصوات التي دافعت عن الحقيقة في عصرنا. كان كارتر على استعداد لرؤية الوحشية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني، ورفض ببساطة أن يظل صامتًا حيالها. هذه شجاعة نادرة، خاصة بالنسبة لرئيس أمريكي سابق، ويجب أن يتم الاعتراف بها وتذكرها إلى الأبد.
إن أفضل طريقة لتكريم جيمي كارتر وشجاعته ووضوحه الأخلاقي هو أن نلتزم بدوره بتعزيز حقوق الإنسان المتساوية للجميع، بغض النظر عن عرقهم أو دينهم أو جنسيتهم.
إن النضال الفلسطيني من أجل تقرير المصير ليس مجرد قضية سياسية معقدة، بل هو في الأساس قضية أخلاقية وإنسانية. وكما كان كارتر يؤكد دائمًا، فإن للولايات المتحدة مسؤولية خاصة في هذا الصدد. فبدون الدعم السياسي والعسكري الأمريكي المستمر، لم تكن إسرائيل لتتمكن من مواصلة احتلالها الوحشي للأراضي الفلسطينية، وفصلها العنصري المنهجي ضد الفلسطينيين، أو ارتكاب أعمال عنف مروعة كما رأينا في غزة.
بينما نحتفل بحياة كارتر وإرثه ونتأمل فيهما، دعونا نضخم دعوته لكي تكون الولايات المتحدة قوة حقيقية من أجل السلام والعدالة في العالم. دعونا ندرك، كما أراد كارتر، أن السلام الحقيقي في أرضنا المقدسة لن يتحقق أبدًا إلا عندما يتم الاعتراف بحقوق الفلسطينيين وكرامتهم الإنسانية واحترامها بالكامل. عندها فقط سنكون قادرين حقًا على تكريم إرثه العظيم والقيم النبيلة التي دافع عنها بشجاعة طوال حياته.